الثلاثاء، 12 يناير 2016

عذاب جهنَّم ليس إلى مالانهاية.. والنار ستُفنى وليست خالدة..

إنَّ كل الآيات تُصرّح بأن جهنم ليست أبدية، وهي منقطعة لا محالة.. وأن الخلود لا يعني البقاء بدون نهاية، وإنما يعني فقط زمنًا طويلاً قد عبّر عنه القرآن بقوله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا)...
في الآية التالية دليلا هاماً على فناء النار فنلاحظ هنا كيف وصف الله مصير الكافرين بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (البينة:6)
بينما نلاحِظ ماذا يعِد الله للمؤمنين في الآية التالية مباشرة: (إِنَّ الذين آمنوا وَعملوا الصالحات أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ( * ) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البينة: 7-8) .
ففي الآية الأولى الخاصة بجهنم ليس هنالك كلمة (أبدا).. بينما هي موجودة في الثانية!.. وهذا ليس عبثاً.. وإذا ضممنا هذا الدليل إلى الأدلة اللاحقة الأخرى ستصبح المسألة أوضح من الشمس.
قال تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (هود:106-108)
مجذوذ: جذَّ الشيءَ: كسرَه؛ قطعَه مستأصِلاً.. وجذّ: أسرعَ.. وجذَّ النخلَ: صرَمَه.. عطاءٌ غير مجذوذ: أي غير مقطوع.
هذه الآية تلقي الضوء على قضية هامة يختلف فيها الإسلام مع الأديان الأخرى اختلافًا كبيرًا، ألا وهي قضية النجاة..
فالهندوس يرون أن الجنة والجحيم (أي الثواب والعقاب) كلتيهما محدودة الزمن.. ينال الإنسان جزاء أعماله ثوابًا أو عقابًا في العالم الآخر، ثم يرجع إلى الدنيا مرة أخرى (ستيارث بركاش ص569).. وإنّ كل الفِرق الهندوسية رغم اختلافها في الأمور الأخرى متفقة على هذه العقيدة.
كما يرى اليهود أنه لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديًا إذ لا مكان فيها لغير اليهود، وأن الجحيم شبهُ محرمةٍ على اليهود، وإذا كان لا بد من دخول يهودي فيها فإنه لن يبقى فيها إلا لمدة أحد عشر شهرًا على الأكثر.. أما غيرهم فكلهم في الجحيم التي لا نهاية لها، وسوف يبقون فيها للأبد!!.
وأما النصارى فيرون أن كلاً من الجنة والنار أبَديّة لا نهاية لها ولا انقطاع.. غير أن هناك فِرقًا منهم تعتقد أن الجنة سوف تنتهي في آخر الأمر..
ولكن الإسلام يعارض هذه النظريات كلها معارضةً شديدة.. والنظرية الإسلامية في هذا الشأن هي أن الجنة أبدية ولزمن غير محدود.. ولكن الجحيم ليست كذلك، بل إنها سوف تنتهي بعد مرور زمن..
أولاً: نلاحظ في الآيتين السابقتين في سورة هود أن الله تعالى قد قال فيهما عن الفريقين،أي الذين شقوا والذين سعدوا، قال (إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ)، ولكنه فرّق بين وصفهما، إذ وصف الجنة بكونها (عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي غير منقطع، بينما قال في وصف جهنم: (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)، وفيه تأكيد شديد على أمر ما !.. وليس هذا التأكيد إلا على إخراج أهل النار منها لا محالة.. فالجملة مؤكدة أولاً بكونها جملة اسمية، ثم بحرف (إِنَّ) المؤكّدة، ثم باسمين للمبالغة (ربّ) و(فَعَّالٌ).. فإذا كان الله تعالى لا يريد إخراجهم من النار أبدًا، فما الداعي لهذا التأكيد المتكرر يا تُرى؟!!
ثم إذا كانت الجحيم غير منقطعة مثل الجنة فلماذا لم يقل في وصفها مثلاً: (عقابًا غير مجذوذ) كما قال عن الجنة (عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ).. أي أن أهل الجنة سيعيشون بحسب مشيئتنا ولا شك، ولكن مشيئتنا فيهم هي أن يخلدوا فيها دون أن تنقطع أو تفنى..
كما أن الله تعالى لم يسكت عن إظهار مشيئته فيما يتعلق بأهل النار، بل صرّح عنها هنا بقوله (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ).. أي أنه عزّ وجلّ سوف يحقق فيهم لا محالة مشيئته المشار إليها في قوله (إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ)..
ثانيًا: قال الله تعالى (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) (هود: 119- 120). والمراد من قوله (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) أنه خلقهم لكي يرحمهم.. وبالتالي فإن الله تعالى خلقنا للرحمة وليس للعذاب..
والبديهي أنه لو بقي البعض في الجحيم إلى أبد الآبدين فلن يُعتبر أنه خَلَقهم للرحمة، بل يكون منافيًا لمدلول هذه الآية..
ثالثًا: قد ورد في القرآن في عدة أماكن وصف نعيم الجنة بأنه أبدي غير منقطع كقوله تعالى (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (التين: 7)، وقوله تعالى (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (الانشقاق: 26).. ولكن لم يرد هذا الوصف عن النار مما يؤكد أن هناك فرقًا بين جزاء الجنة وعقاب الجحيم فيما يتعلق ببقائهما وانقطاعهما..
رابعًا: قال الله تعالى (عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 157). فهذه الآية تؤكد أن رحمة الله تسع كلَّ شيء، ولكن عذابه أمر عارض عابر، وأن من سيعاقَب بالعذاب سوف تسَعه أيضًا رحمة الله في آخر المطاف.. فإنه قد جعل العذاب هنا لأفراد معينين، وجعل الرحمة شاملةً للناس كافة بل للأشياء جميعًا ليؤكد أن عذاب جهنم سوف ينتهي في يوم من الأيام حتمًا، وإلا لم تكن رحمته واسعة لكلّ شيء..
وهناك آية أخرى بهذا المعنى (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا) (غافر: 8). لقد ذكر هنا سعة علم الله ورحمته معًا. فالزعم بحرمان البعض من الرحمة الإلهية ببقائهم في العذاب دون نهاية يستلزم أن نعتقد أن هناك أشياء تخرج عن دائرة العلم الإلهي.. وكما أن هذا الظن باطل بالبداهة، كذلك باطل حرمان البعض من الرحمة الإلهية ببقائهم في النار الأبدية.
وقد يقول هنا قائل: هذا المنطق يلزمنا أن نعتقد بأن البعض لن يعاقَبوا حتى عقابًا مؤقتًا، وإلا سنضطر للقول بأن البعض يخرجون من علم الله خروجًا مؤقتًا؟
والجواب أننا إذا سلّمنا بانتهاء العذاب في آخر الأمر فلا بد لنا من التسليم أيضًا بأن العقاب في الآخرة وسيلة للإصلاح في واقع الأمر، وإذا كان العقاب يهدف للإصلاح فلا شك في كونه مظهرًا من مظاهر الرحمة الإلهية، ومثاله مثال العقاب الذي ينزله المعلم بتلميذه.. وهكذا فإنه لا يخرج عبد من عباد الله من رحمته الواسعة ولو للحظة، بل يبقى دائمًا تحت ظلها.. ولكن لن يكون الأمر كذلك إذا اعتبرنا العذاب أبديًا دون نهاية...
خامسًا: يقول الله تعالى (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( * ) وَادْخُلِي جَنَّتِي) (الفجر: 30-31)، أي الذي يصير عبدًا حقيقيًا لله تعالى يُدخله في الجنة.. ويقول عزَّ مِنْ قائل في موضع آخر (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 57) أي أن كل إنسان سوف يصبح في آخر الأمر عبدًا حقيقيًا لله عز وجل، لأن هذه هي غاية خلقه التي لا يمكن أن يبقى محرومًا للأبد من إحرازها.. وحيث إن الناس جميعًا سوف يصيرون عبادًا لله تعالى عاجلاً أو آجلاً فلا بد من أن يدخلوا جميعًا في الجنة أيضا في آخر الأمر..
سادسًا: يعلن ربنا جلّ شأنه (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) (الزلزال: 8). ولكن تخفيف العذاب عنه لا يعني أنه رأى نتيجة الخير الذي فعله.. لذلك من الضروري أن يعاقَب المرء على سوء أعماله لفترة، ثم ينتهي عقابه ليرى جزاء أعماله الحسنة.
سابعًا: يخبرنا الله تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ( * ) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) (القارعة: 9-10) أي الذي لا تكون أعماله ذات ثقل وقيمة فإن جهنم ستكون بمثابة أمٍ له.. والظاهر أن الجنين لا يبقى في بطن أمه للأبد، بل يمكث فيه إلى حين اكتمال نموه واكتساب قوته.. كذلك العُصاة إنما يمكثون في الهاوية أي الجحيم إلى أن تنمو وتنضج فيهم الملكات التي تمكّنهم من الرؤية الإلهية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق